بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين. أما بعد !
أيها الحفل الكريم وأيها الأساتذة الكرام
وأيتها الزميلات، أحييكم بتحية الإسلام ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته !
كلمتي
اليوم بعنوان : الأمُّ مدرسةٌ
نعم،
الأم هي التي قد خصها الله لتكون مدرسة الفضيلة وصانعة المستقبل والرجال العظماء.
الأم أكبر مدرسة يتربى فيها أبناء الأمة ويتخرج منها العباقرة والأعلام.
الأم مدرسة إذا أعددتَها === أعددتَ شَعبًا طيب الأعراق
هيا بنا
نقف ساعة في صفحات التاريخ لنرى مِن أين يتخرج الأعلام ومَن يصنع العظماء ومَن يربى
الأجيال ، لنفهم دور الأم ، لنعرف أعظم مدرسة !
هل سمعتم
عن سكين وضعه الأب على رقبة ابنه؟ هل سمعتم عن ولد استسلم لأمر الله؟ هل سمعتم عن
الذبيح؟ نعم! الذي اختار اللهُ كلمته لتتلى إلى يوم القيامة :
" يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين "
هل تتعجبون من قوة إيمانه؟ لا داعي لذلك
فهو ولد من؟ هو ولد هاجر!! هاجر التي سألت
إبراهيم عليه السلام: آلله أمرك بهذا؟ ثم قالت: إذن لا يُضيِّعُنا .
هي التي ربت إسماعيل عليه السلام.
فحضن الأم مدرسة تسامت === بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تقاس حسنًا === بأخلاق النساء الوالدات
نسير إلى الأمام قليلًا !!!
إلى زمن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
إلى ذلك الجيل .. إلى جيل الصحابة .. إلى أفضل
هذه الأمة .. خير الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام !
لنلتقط بعض المواقف من أمهاتهم !
لنرى مَن كان وراءهم -رضي الله عنهم- !
الرميصاء
ـ ـ أم الصحابي الجليل أنس بن مالك
حرصَت أن يلتحق ابنها بالرسول صلى الله عليه
وسلم فقدّمته وهي تقول: " يا رسول الله ! هذا خُوَيدِمُك أنس، أدع الله
له" . فدعا له صلى الله عليه وسلم، واستجاب الله الدعاء، ولزم أنس الرسول صلى
الله عليه وسلم وتعلّم منه الكثير وصار من رواة الحديث المكثرين.
ها هو الزبير بن العوام - - أحد العشرة المبشرين بالجنة
مثلٌ في الشجاعة ، لُقّب بـ حواري رسول الله
صلى الله عليه وسلم !
أمه كانت صفية بنت عبد المطلب، موقفها يوم أحد
مسطور في التاريخ، عندما شاهدت أخاها المقتول حمزة أسد الله –رضي الله عنه- فقالت
لابنه " قل لرسول الله ما أرضانا بما كان في سبيل الله، لأحتسبَنّ ولأصبرَنّ
إن شاء الله."
وهذا عبد الله بن الزبير
كان وراءه ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر
وهي القائلة بابنتها " اذهب والله لضربة
بالسيف على عزٍّ أفضل من ضربةٍ بالسوط على ذل".
ومن ينسى سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم،
سيد شباب أهل الجنة، صاحب الموقف العظيم، سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنها !؟
هي الأخلاق تنبت كالنبات === إذا سقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المربي === على ساق الفضيلة مثمرات
وتسموا للمكارم بالتساق === كما اتسقت أنابيب القناة
ابقوا معي لحظات - - لأخبركم عن مدارس أعددت
أئمة الهدى والرشاد قادة الدنيا والدين ! إمام دار الهجرة الإمام الشافعي والإمام
البخاري والإمام سفيان الثوري، والخليفة العادل وغيرهم -رحمهم الله تعالى- !
أمير المؤمنين أعدَل الملوك وأزهدهم أبو حفص
عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- ، من كان وراءه ؟؟
أنها أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، أكمل
أهل دهرها كمالًا وأكرمهم خلالًا.
وهذا سفيان الثوري!! وما أدراك ما سفيان
الثوري!؟
إنه فيقه العرب ومحدّثهم، أمير المؤمنين في
الحديث.
روي قالت أمه له -رحمهما الله- : " يا بني اطلب العلم وأما أكفيك
بمغزلي". فكانت تعمل وتقدم له
ليتفرغ للعلم.
وهذا
الإمام الحبر الفقيه البحر!
إنه
محمد بن إدريس الشافعي الذي ملأ أقطار الأرض علمًا وفقهًا وفضلًا.
كان ثمرة جهد الأم العظيمة ، فقد مات والده
وهو جنين أو رضيع فتولته أمه بعنايتها وأشرقت عليه بحكمتها.
وهذه أم
مالك بن أنس الإمام الجليل إمام دار الهجرة
فقد نشأ يتيما رحمه الله، فقد عممته أي ألبسته
عمامة وقالت له : " اذهب إلى مجلس الربيع وخذ من سمته ودلِّه قبل أن تأخذ من
علمه" .
ومَن لا
يعرف أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري !؟ أمير المؤمنين في الحديث، ومن يتجهل
فضل أمه!؟ فقد رد الله بصر ابنه بدعوتها، وبذلت كل ما في وسعها ليصبح ولده عالمًا.
والتاريخ
شاهد لأم علَّمت ابنه درس الصدق، فتابت على يده جماعة قطاع الطرق، وصار إمامًا
للمسلمين، يعرفه العالَمُ باسم الإمام عبد القادر الجيلاني.
ولم أر للخلائق مِن مَحَلٍّ === يهذبُها كحضن الأمهات
لنقترب قليلا إلى يومنا هذا . . !
حدّثوني عن مجدنا العظيم
أحدّثكم عن أمهات عظيمات
ذُكِر أنه عندما دخل ابن البطوطة في الهند
في زمن قوة المسلمين وملكهم وحضارتهم!!!
قال: " ما
رأيتُ في الهند امرأة مسلمة إلا كانت حافظة القرآن ".
هكذا !!
هي المرأة ، بناء الشعوب مربوط بها، فإن كانت
أمّا فاضلة محترمة وملتزمة فستضع مجتمعًا صلبًا قويًا مسلما، لا تلومه لومة لائم.
فاعلموا يا رعاكم الله!
الأم التي تهزّ المهد بيمينها تهزّ العالَم
بشمالها.
وإن سألوني يومًا عن سبب ضعف أمتنا وانحطاطها
وانتكاسها، فسأقول : سبب ذلك . . ترك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصّى
: " فاظفر بذات الدين تربت يداك " أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وسبب ذلك ...
تلك الأم التي عندها شهادة لكن ليس عندها علم
تلك الأم التي عندها جمال لكن ليس عندها أخلاق
تلك الأم التي عندها حسب لكن ليس عندها إيمان
وعقيدة
فكيف نظن بالأبناء خيرا === إذا نشأوا بحضن الجاهلات
وهل يُرجى لأطفال كمالٌ === إذا ارتضعوا ثدي الناقصات
وبه اشتكى الشاعر إلى أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها
أأم المؤمنين إليك نشكوا === مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أمُّ منها === نكاد نغصُّ بالماء الفرات
وإذا أردنا العودة إلى المجد والفتوحات ، وإن
إردنا إمامة الأمم فيجب علينا دفع ثمن " حضن الأم"
ذلك الثمن الذي يقول عنه الشاعر محمد إقبال
رحمه الله:
"
لا يَقِلّ ثمن حجر الأم عن المَجرّة "
وما هو ثمنه ؟؟؟
ثمنه !! ـ ـ ـ هو إعداد الأم على العز والاباءة والعقيدة
السليمة . .
وبه نُعيد المجد يوما
وبه نحرر القدس يوما
وبه نقود العالَم يوما
إن شاء الله.
شكرًا.
جمع وترتيب وإلقاء
طالبة كلية الشريعة
والقانون
في مسابقة فن
الخطابة عام 2017م
بالجامعة الإسلامية
العالمية إسلام آباد