الأحد، 2 يوليو 2017

الأم مدرسة


بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين. أما بعد !
أيها الحفل الكريم وأيها الأساتذة الكرام وأيتها الزميلات، أحييكم بتحية الإسلام ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته !
كلمتي اليوم بعنوان : الأمُّ مدرسةٌ
نعم، الأم هي التي قد خصها الله لتكون مدرسة الفضيلة وصانعة المستقبل والرجال العظماء. الأم أكبر مدرسة يتربى فيها أبناء الأمة ويتخرج منها العباقرة والأعلام.
الأم مدرسة إذا أعددتَها === أعددتَ شَعبًا طيب الأعراق
هيا بنا نقف ساعة في صفحات التاريخ لنرى مِن أين يتخرج الأعلام ومَن يصنع العظماء ومَن يربى الأجيال ، لنفهم دور الأم ، لنعرف أعظم مدرسة !
هل سمعتم عن سكين وضعه الأب على رقبة ابنه؟ هل سمعتم عن ولد استسلم لأمر الله؟ هل سمعتم عن الذبيح؟ نعم! الذي اختار اللهُ كلمته لتتلى إلى يوم القيامة :
" يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين "
هل تتعجبون من قوة إيمانه؟ لا داعي لذلك
فهو ولد من؟ هو ولد هاجر!! هاجر التي سألت إبراهيم عليه السلام: آلله أمرك بهذا؟ ثم قالت: إذن لا يُضيِّعُنا .
هي التي ربت إسماعيل عليه السلام.
فحضن الأم مدرسة تسامت === بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تقاس حسنًا === بأخلاق النساء الوالدات
نسير إلى الأمام قليلًا !!!
إلى زمن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
إلى ذلك الجيل .. إلى جيل الصحابة .. إلى أفضل هذه الأمة .. خير الخلق بعد الأنبياء عليهم السلام !
لنلتقط بعض المواقف من أمهاتهم !
لنرى مَن كان وراءهم -رضي الله عنهم- !

الرميصاء  ـ ـ أم الصحابي الجليل أنس بن مالك
حرصَت أن يلتحق ابنها بالرسول صلى الله عليه وسلم فقدّمته وهي تقول: " يا رسول الله ! هذا خُوَيدِمُك أنس، أدع الله له" . فدعا له صلى الله عليه وسلم، واستجاب الله الدعاء، ولزم أنس الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلّم منه الكثير وصار من رواة الحديث المكثرين.

ها هو الزبير بن العوام  - - أحد العشرة  المبشرين بالجنة
مثلٌ في الشجاعة ، لُقّب بـ حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم !
أمه كانت صفية بنت عبد المطلب، موقفها يوم أحد مسطور في التاريخ، عندما شاهدت أخاها المقتول حمزة أسد الله –رضي الله عنه- فقالت لابنه " قل لرسول الله ما أرضانا بما كان في سبيل الله، لأحتسبَنّ ولأصبرَنّ إن شاء الله."

وهذا عبد الله بن الزبير
كان وراءه ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر
وهي القائلة بابنتها " اذهب والله لضربة بالسيف على عزٍّ أفضل من ضربةٍ بالسوط على ذل".

ومن ينسى سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد شباب أهل الجنة، صاحب الموقف العظيم، سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنها !؟
هي الأخلاق تنبت كالنبات === إذا سقيت بماء المكرمات
تقوم إذا تعهدها المربي === على ساق الفضيلة مثمرات
وتسموا للمكارم بالتساق === كما اتسقت أنابيب القناة

ابقوا معي لحظات - - لأخبركم عن مدارس أعددت أئمة الهدى والرشاد قادة الدنيا والدين ! إمام دار الهجرة الإمام الشافعي والإمام البخاري والإمام سفيان الثوري، والخليفة العادل وغيرهم -رحمهم الله تعالى- !

أمير المؤمنين أعدَل الملوك وأزهدهم أبو حفص عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- ، من كان وراءه ؟؟
أنها أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، أكمل أهل دهرها كمالًا وأكرمهم خلالًا.

وهذا سفيان الثوري!! وما أدراك ما سفيان الثوري!؟
إنه فيقه العرب ومحدّثهم، أمير المؤمنين في الحديث.
روي قالت أمه له -رحمهما الله- :     " يا بني اطلب العلم وأما أكفيك بمغزلي".   فكانت تعمل وتقدم له ليتفرغ للعلم.

وهذا الإمام الحبر الفقيه البحر!
                                إنه محمد بن إدريس الشافعي الذي ملأ أقطار الأرض علمًا وفقهًا وفضلًا.
كان ثمرة جهد الأم العظيمة ، فقد مات والده وهو جنين أو رضيع فتولته أمه بعنايتها وأشرقت عليه بحكمتها.

وهذه أم مالك بن أنس الإمام الجليل إمام دار الهجرة
فقد نشأ يتيما رحمه الله، فقد عممته أي ألبسته عمامة وقالت له : " اذهب إلى مجلس الربيع وخذ من سمته ودلِّه قبل أن تأخذ من علمه" .

ومَن لا يعرف أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري !؟ أمير المؤمنين في الحديث، ومن يتجهل فضل أمه!؟ فقد رد الله بصر ابنه بدعوتها، وبذلت كل ما في وسعها ليصبح ولده عالمًا.
والتاريخ شاهد لأم علَّمت ابنه درس الصدق، فتابت على يده جماعة قطاع الطرق، وصار إمامًا للمسلمين، يعرفه العالَمُ باسم الإمام عبد القادر الجيلاني.
ولم أر للخلائق مِن مَحَلٍّ === يهذبُها كحضن الأمهات
لنقترب قليلا إلى يومنا هذا . . !
حدّثوني عن مجدنا العظيم
أحدّثكم عن أمهات عظيمات
ذُكِر أنه عندما دخل ابن البطوطة في الهند
في زمن قوة المسلمين وملكهم وحضارتهم!!!
قال: " ما رأيتُ في الهند امرأة مسلمة إلا كانت حافظة القرآن ".
هكذا !!
هي المرأة ، بناء الشعوب مربوط بها، فإن كانت أمّا فاضلة محترمة وملتزمة فستضع مجتمعًا صلبًا قويًا مسلما، لا تلومه لومة لائم.
فاعلموا يا رعاكم الله!
الأم التي تهزّ المهد بيمينها تهزّ العالَم بشمالها.
وإن سألوني يومًا عن سبب ضعف أمتنا وانحطاطها وانتكاسها، فسأقول : سبب ذلك . . ترك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصّى : " فاظفر بذات الدين تربت يداك "  أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وسبب ذلك ...
تلك الأم التي عندها شهادة لكن ليس عندها علم
تلك الأم التي عندها جمال لكن ليس عندها أخلاق
تلك الأم التي عندها حسب لكن ليس عندها إيمان وعقيدة
فكيف نظن بالأبناء خيرا === إذا نشأوا بحضن الجاهلات
وهل يُرجى لأطفال كمالٌ === إذا ارتضعوا ثدي الناقصات
وبه اشتكى الشاعر إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
أأم المؤمنين إليك نشكوا === مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أمُّ منها   === نكاد نغصُّ بالماء الفرات
وإذا أردنا العودة إلى المجد والفتوحات ، وإن إردنا إمامة الأمم فيجب علينا دفع ثمن " حضن الأم"
ذلك الثمن الذي يقول عنه الشاعر محمد إقبال رحمه الله:
                " لا يَقِلّ ثمن حجر الأم عن المَجرّة "
وما هو ثمنه ؟؟؟
ثمنه !! ـ ـ ـ  هو إعداد الأم على العز والاباءة والعقيدة السليمة . .
وبه نُعيد المجد يوما
وبه نحرر القدس يوما
وبه نقود العالَم يوما
إن شاء الله.
شكرًا.
جمع وترتيب وإلقاء
طالبة كلية الشريعة والقانون
في مسابقة فن الخطابة عام 2017م
بالجامعة الإسلامية العالمية إسلام آباد


السبت، 16 يوليو 2016

قصة مليئة بالفوائد

قصة خيار الناس في غزوة كانوا مع خير خلق الله (النبي المصطفى) صلى الله عليه وآله وسلم 

كاتبة الموضوع: الأخت أم حفص -وفقها الله-

عن الزبير بن العوام رضي الله عنه: أنه لما كان يوم أُحُد، أقبلت امرأة تسعى حتى كادت أن تشرف على القتلى، قال: فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم، فقال: ((المرأة المرأة)). وقال الزبير: فتوسَّمتُ أنها أُمي صفية، قال: فخرجت أسعى إليها، قال: فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى، قال: فلَدَمت في صدري - وكانت امرأة جَلْدة- قالت: إليك عني لا أرض لك، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك، قال: فوقفتْ وأخرجتْ ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفِّنوه فيهما، قال: فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة فإذا إلى جنبه رجل من الأنصار قتيل فُعل (به) كما فعل بحمزة، قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن يكقِّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب، فقدَّرناهما فكان أحدهما أكبر من الآخر، فأقرعنا بينهما فكفَّنَّا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له. أخرجه البزار وأحمد وأبي يعلى ، قال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وهو ضعيف وقد وُثِّق. انتهى.

وعند ابن إسحاق في السيرة عن الزّهْري وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن يحيى وغيرهم عن قتل حمزة رضي الله عنه قال: فأقبلت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها لتنظر إلى أخيها، فلقيها الزبير رضي الله عنه فقال: أيْ أُمه إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، قالت: ولمَ وقد بلغني أنه مُثِّل بأخي؟ وذلك في الله فما أرضانا بما كان من ذلك؟ لأصبرنَّ وأحتسبنَّ إن شاء الله، فجاء الزبير فأخبره فقال: «خلِّ سبيلها» قأتت إليه واستغفرت له ثم أمر به فدفن. كذا في الإِصابة.

تأملات في القصة وذكر بعض الفوائد:
v  شفقة النبي صلى الله عليه وسلم ورحمته على الصنف الضعيف (النساء)، حين رأى المرأة تسعى إلى القتلى فأمر بإيقافها ومنعها، وكره أن تراهم على هذه الحالة. فقال صلى الله عليه وسلم: ((المرأة المرأة))، كان يريد أن يوقفوها.
v  عرف الزبير بن العوام رضي الله عنه أنها أمه صفية بنت عبد المطلب (عمة الرسول صلى الله عليه وسلم) وخرج الزبير يسعى إليها حتى يمنعها عملا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم. تأمل العبارة (قال: فخرجتُ أسعى إليها، قال: فأدركتها قبل أن تنتهي إلى القتلى).
v  (قال: فلَدَمت في صدري - وكانت امرأة جَلْدة- قالت: إليك عني لا أرض لك)
لدمت[1]، أي: ضربت ودفعت أمه صدره. قال: وكانت امرأة جلدة، أي: ذات قوة وصلابة في نفسها.
v  تأملوا الان: الزبير (حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم) أمام والدته وهي تريد أن تصل إلى الشهداء على كل حال، وترى أخاها الشهيد حمزة بن عبد المطلب (عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة)، والزبير خرج بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الزبير رضي الله عنه: (فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم عليك.)، وفي رواية: (قال: أيْ أُمه إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي).
v  (قال: فوقفتْ..) هكذا الصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا وقّافين عند أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تأملوا -بارك الله فيكم-! قال في البداية (أقبلت امرأة تسعى حتى كادت...)، حتى قال (فلَدَمت في صدري)، وقالت لابنه (إليك عني لا أرض لك)، وفي النهاية عندما سمعت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (فوقفت).
v  (قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن يكقِّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له)
(قال: فوقفتْ وأخرجتْ ثوبين معها فقالت: هذان ثوبان جئت بهما لأخي حمزة، فقد بلغني مقتله فكفِّنوه فيهما) فجاءوا إلى حمزة فوجدوا رجلا من الأنصار شهيدا فعل به كما فعل بحمزة، (قال: فوجدنا غضاضة وحياء أن يكقِّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له). والغضاضة: الذلة والمنقصة والعيب.
فقالوا: ثوب لحمزة وثوب للأنصاري، ثم قدّروا الثوبين فكان أحدهما أكبر من الآخر، قال: (فأقرعنا بينهما فكفَّنَّا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له).

#######


[1] - (لَدَمَ) اللَّامُ وَالدَّالُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى إِلْصَاقِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، ضَرْبًا أَوْ غَيْرَهُ، فَاللَّدْمُ: ضَرْبُ الْحَجَرِ بِالْحَجَرِ. معجم مقاييس اللغة لابن فارس.


في الوقف والابتداء في القرآن الكريم-1

الوقف والابتدا في القرآن الكريم

كاتبة الموضوع : الأخت الفاضلة نادية فياض -وفقها الله-

بسم الله الرحمن الرحيم .
سنأخذ موضوعًا مهما جدا لِمَن يعلِّمون ويتعلمون القران، ألا وهو موضوع الوقف والابتداء . قال الناظم -رحمه الله- وبعد ما تحسن أن تجود لابد أن تعرف وقفا وابتدا.
وبعد تجويدك للحروف            لابد معرفة الوقوف .
وللعلماء مذاهب في الوقف والابتداء على رؤوس الآي، وسنأخذ بالرأي الراجح لعلمائنا ومشايخنا -حفظهم الله- وهو المذهب الرابع:
أن حكم الوقف على رؤوس الآيات كحكمه على غيرها مما ليس برأس آية؛ فحينئذٍ يُنظر إلى ما بعد رأس الآية من حيث التعلّق وعدمه، فإن كان له تعلّق لفظي برأس الآية، فلا يجوز الوقف على رأس الآية، وإن لم يكن له به تعلق لفظي جاز الوقف، ومعلوم أن التعلّق اللفظي يلزمه التعلق المعنوي لا العكس.
فالوقف والابتداء هوشرف العالم وزينة القارئ وحلية التلاوة وفهم التالي، (يعين على فهم التفسيروالتدبر)، وبلاغ المستمع (تبليغ رسالة). وسنشرع أحبتي في الله ومصدر الكلام هذا؛ التقرير الرائع للشيخ العالم إسماعيل الشرقاوي -حفظه الله-، ومن كتاب المكتفى لأبي عمرو الداني -رحمه الله- وأيضا نقلتُ مما سمعته من تسجيل الشيخ سعيد صالح زعيمة -حفظه الله- .

وسنبدأ من سورة الفاتحة باذن الله .
الوقف على آخر الاستعاذة تامٌ، وإن لم تكن من القران لكن نحن مأمورون بها. وعلى آخرالتسمية تامٌ. وعلى (مالك يوم الدين)، تام. و(إياك نستعين) تام، و(ولا الضالين) تام. ولانقف على أنعمت عليهم بل نوصلها بما بعدها .

(سورة البقرة) الآية (7): نقف على (سمعهم)، وقف لازم كاف، وقيل: تام لمن يقرأ (غشاوة) بالضم، لأن الختم يكون على الأسماع والقلوب، وبعدها نبدأ (وعلى أبصارهم غشوة) . الوقف على (بلى) كاف، والأولى الوقف بعدها إلا في أربعة مواضع:
1)    الانعام (أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا )، وشبيهتها:
2)    في الأحقاف
3)    وفي سبا: (قل بلى وربي)
4)    والتغابن (قل بلى وربي لتبعثن)
ففي هذه المواضع الأربعة نوصلها ومثلها في الآية: 260 البقرة: (قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )، نوصلها لأن إبراهيم عليه السلام لم يتردد.
الآية (83): (..لاتعبدون إلا الله) نقف وقف تام ثم نبتدئ: (وبالوالدين إحسانا)، بتقدير: واستوصوا بالوالدين .
في الآية (102): نقف على (على ملك سليمان)، ولانوصلها بـ (وماكفر سليمان ) حتى لاتصبح ما بمعنى الموصولة، فلابد من الوقف حتى تعطي معنى النفي . كما أن نهاية الآية (لو كانوايعلمون) نقف قبلها وقفا لازما، فيكون البدء ب(لوكانوا يعلمون).
*    وجاءت (لو كانوا يعلمون) معنا في سبع مواضع في القران الكريم، نظمها شيخنا الكريم إسماعيل الشرقاوي -حفظه الله- في البيت:
        (قِفْ لَازِمًا "لو كانوا يعلمون" ... عَنْكَبُ غُرَفِ زَهْرَا نِعَمُ نُونْ)

عنكب: (سورة العنكبوت)، غرف (سورة الزمر)، زهرا (البقرة موضعان 102,103)، نعم(سورة النحل)، نون (سورة القلم). وهناك موضع وحيد في سورة سبأ يجب فيه الوصل . ومثلها (إن كنتم تعلمون) أيضا نقف قبلها ونبدأ بها .

في الآية: (105)، (والله يختص برحمته من يشاء)، نقف وقفا تاما ثم نبدا (والله ذو الفضل العظيم) .
*    وهنا ملاحظة: نقف قبل (واللهُ) ونبدأ بها، مثلا: (والله غفور رحيم)، (والله ذو الفضل العظيم)، وهكذا. كما نقف قبل (إنّ) (الهمزة المكسورة والنون المشددة )، ونبدأ بها مثلا: (إنّ الله غفور رحيم)، أو (إن الله قوي عزيز)، وهكذا. أما كل (أنّ) و(أنْ) (الهمزة المفتوحة) تكون موصولة بما قبلها، ولايصح البدأ بها.

الآية: (125)، الوقف على (وأمنا) تام لمن قرأ (واتّخذوا) بكسر الخاء، أمّا من قرأ بفتح الخاء لايقف لأنها معطوفة على ماقبلها.
الآية: (165)، (كحب الله) نقف وقفا كافيا. (أشد حبا لله) تام .
الآية: (184)، (...فمن تطوع خيرا فهو خيرله وان تصوموا خير لكم) ونقف ثم نبدأ (إن كنتم تعلمون)، كما مرت معنا. وننتبه لانقف (فمن تطوع خيرا فهو خير له)، لأننا لا نبدأ (وأن تصوموا) بفتح الهمزة، ومرت معنا كل (أن) بفتح الهمزة موصولة .
الآية: (185)، نهايتها (ولعلكم تشكرون) موصولة بما قبلها.
*    ملاحظة: كل (لعلّ) موصولة في القران .
الآية: (217)، نقف وقفا لازما بعد (كبير). هنا الحديث عن المسلمين عندما وقع منهم خطأ القتال في شهر محرم ثم نبدأ بقوله: (وصد عن سبيل الله)، وهنا الحديث عن المشركين، وهنا ما أعظم وأخطر من القتال في الشهرالحرام وهو منع المؤمنين عن دين الله وكفرهم بالله وصدهم عن المسجد الحرام وإخراجهم من البلد.

بداية الآية: (229)، لانقف على (الطلاق مرتان)، وإنما نوصلها بما بعدها ليتم المعنى .
نهاية الآية: (219)، نوصلها بما بعدها ليتم المعنى (لعلكم تتفكرون في الدنياوالاخرة).
الآية: (271)، من قرأ: (ونكفر عنكم) برفع الراء سواء قرأ بالنون أو الياء وقف على قوله تعالى: (فهو خير لكم) وهو وقف كاف. ومن قرأ (ونكفر) بالجزم، لم يقف على (فهو خير لكم)، لأنها معطوفة.

الآية: (282) آية الدين، نقف بعد (فليكتب) ثم نبدأ (وليملل) لأن الذي يكتب ليس هو نفسه الذي يملل. ونقف على (شيئا) ، (وليه بالعدل)،(الاخرى),(اذا مادعوا),(اذا تبايعتم) ,(ولاشهيد)، (فسوق بكم) ,(ويعلمكم الله).


الأربعاء، 25 نوفمبر 2015

بشرى للجادّات في حفظ القرآن الكريم مُرتَّلًا برواية ورش (برسوم رمزية)

بسم الله الرحمن الرحيم
بشرى للجادّات في حفظ القرآن الكريم مُرتَّلًا برواية ورش (برسوم رمزية)
 قال الله - تعالى - : 
((الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)) (البقرة 121) .
وعن سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» ، قَالَ: وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ، حَتَّى كَانَ الحَجَّاجُ قَالَ: وَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا . رواه البخاري .
تعلن مقرأة الدُّرَّة المُضِيَّة عن بدء حلقة تحفيظ القرآن الكريم برواية ورش عن الإمام نافع المدني ، طريق الشاطبية ، بالتلقين للأخوات فقط .

تفاصيل الحلقة :
1-الحفظ بمنهجية الصحابة - رضي الله عنهم - "تلقينا القرآن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس آيات خمس آيات" .
2-تكرر الشيخة الآيات وتردد الأخوات بعدها حتى يتم حفظ الآيات المقررة .
3-تقوم الأخوات بعد انتهاء الحلقة بالصلاة بما حفظن في الصلوات الخمس والنوافل ؛ لتثبيت الحفظ .
4-تقوم الأخوات بمراجعة كتب التفسير لمعرفة معاني الآيات إذا استطعن إلى ذلك سبيلا .
5-تقوم بالتلقين الشيخة راجية الفردوس - حفظها الله - أستاذة التجويد التي درست أصول رواية ورش عن الشيخ أعنون وغيره .
6-هناك جوائز علمية ومفاجئات للمواظبات .  
الاشتراك الشهري : 100 درهم ، مقدما أو مؤخرا ، التنسيق مع الأخت المعلمة ، والمقرأة لا علاقة لها بالرسوم المدفوعة ولا بالمعلمة ، فقط ننشر الإعلان لمن أرادت الإفادة ، وبالله التوفيق .
مواعيد الحلقة :
بعد اشتراك عدد 3 طالبات على الأقل ستكون المواعيد بإذن الله يوميًا إلا السبت والأحد .
 للاشتراك (للأخوات الجادَّات فقط) أضيفي سكايب fardoos61 وتواصلي مع الشيخة راجية الفردوس مباشرة
 صفحة المقرأة على الفيس بوك :  https://www.facebook.com/Addorrh
 تقبل الله منا ومنكن ، والحمد لله رب العالمين ، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين .

الاثنين، 9 نوفمبر 2015

الوفاء - مقتطفات من خطبة إمام الحرم المكي الشيخ صالح آل طالب -حفظه الله-

بسم الله الرحمن الرحيم.
*** الوفاء ***
الوفاءُ صفةٌ نبيلةٌ وخُلُقٌ كريم، يجمُلُ بكل أحدٍ أن يتحلَّى به، فهو الإخلاصُ الذي لا غدرَ فيه ولا خِيانَة، وهو البذلُ والعطاءُ بلا حُدود. والجمالُ أن نعيشَ هذه السجِيَّةَ بكل جوارِحِنا، وبكل ما نملِكُ من صدقٍ لا زيفَ فيه ولا نفاق، والصداقاتُ التي يَرعاها الوفاء هي الصداقةُ الحقَّة، تذكُّرٌ للوُد، ومُحافظةٌ على العَهد.
الوفاءُ ديانةٌ ومروءة، وهو من شِيَم الكرام، ومجمَعُ الأخلاق الفاضِلة، فالتقوى والوفاء، والصدقُ والكرمُ والمُروءَة صفاتٌ مُتلازِمة، تزيدُ نورَ الوجه، وترفعُ الذِّكر، وتُعظِمُ الأجر، وتُسعِدُ الحقَّ.
والوفاءُ الحقُّ لا يأتي إلا من قلبٍ طاهرٍ تدفعُه النيَّةُ الطيبةُ.
وهو صفةٌ من صفاتِ الله تعالى، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ) [التوبة: 111].
والوفاءُ من صفةِ الأنبياء، (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم: 37]، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا) [مريم: 54].
الوفاءُ من سِمات الإيمان، قال الله - عز وجل -: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) [البقرة: 177].
وهو من صفات المُتقين، ومن أعظم أسباب تحصيل التقوَى:
قال - سبحانه -: (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [آل عمران: 76].
وسبيلٌ إلى أعلى الدرجات، (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [الفتح: 10].
وفي مدحِ المُؤمنين: (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) [الرعد: 20].
والآياتُ التي تتحدَّثُ عن الوفاءِ تربُو على عشرين آية، وجميعُ الآيات التي وردَ فيها لفظُ (العهد) و(الميثاق) تدلُّ على ذلك.
وأعظمُ الوفاء: هو الوفاءُ بحقِّ الله تعالى، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) [البقرة: 40]، (وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا) [الأنعام: 152].
قال ابن جريرٍ - رحمه الله -: "وعهدُه إياهم أنهم إذا فعلُوا ذلك أدخلَهم الجنة". اهـ.
والوالِدان أحقُّ الناس بالوفاء، خاصَّةً مع الحاجة وكِبَر السنِّ، (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23، 24].
وفي التعامُل مع الخلق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1].
وفي الحياة الأُسريَّة يجبُ أن يكون الوفاءُ حاضرًا في كل الأحوال، فأكبرُ عهدٍ بين إنسانَين هو ميثاقُ الزواج، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أحقُّ ما أوفيتُم من الشروط: أن تُوفُوا به: ما استحللتُم به الفُروج»؛ رواه البخاري.
والله تعالى يقول: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21]، ويقول - سبحانه -: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) [البقرة: 237].
------خلُق الوَفاء من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ------
       إنّ من أخلاقِ النبي صلى الله عليه وسلم العزيمةِ، وشمائله الكريمة التي نقلَها عنه أصحابُه: خُلُق الوفاء.
والوفاءُ بمعناه الواسِع: القيامُ بالحقوق، وجزاءُ الإحسان، ورعايةُ الوُد، وحِفظُ العهد.
وقد بلغَ في ذلك كلِّه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المبلغَ الأعظم، فما وراءَه غاية، ولا مِثلُه أحد.
خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء،

الوفاءُ لربّه سبحانه:
  • وقد كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أعبَدَ الناس، وفَّى لربِّه مقامات العبودية، كما وفَّى إبراهيم - عليه السلام -، فقال الله فيه: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم: 37].
  • كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((واللهِ إني لأتقاكُم لله وأخشاكُم له.))
  • كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلَّى، قام حتى تفطَّر رِجلاه. قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: يا رسولَ الله! أتصنعُ هذا وقد غُفر لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر؟! فقال: «يا عائشة! أفلا أكون عبدًا شكُورًا؟!»؛ رواه مسلم، وهو في "الصحيحين" عن المُغيرة - رضي الله عنه -.
  • وكان يستغفرُ اللهَ ويتوبُ إليه في اليوم مائةَ مرَّة.

الوفاء للوالدين:
  • قيامُ الإنسان بحقوق والدَيه، وإحسانُه إليهما، وبرُّه بهما كما ربَّياه صغيرًا من أعظم الوفاء، ويعظُمُ هذا حالَ كِبَرهما وضعفهما، أما بعد موتهما فالدعاءُ لهما والصدقةُ عليهما.
  • وخُلُق النبي - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛ روى مسلمٌ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: زارَ النبي - صلى الله عليه وسلم - قبرَ أمِّه فبكَى وأبكَى من حولَه، فقال: ((استأذنتُ ربي في أن أستغفِر لها، فلم يُؤذَن لي، واستأذنتُه في أن أزورَ قبرَها، فأذِنَ لي، فزُوروا القبور؛ فإنها تُذكِّرُ الموت)).

وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لعمّه أبي طالب:
   خُلُقه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛ في "الصحيحين": أن العباسَ بن عبد المُطلب - رضي الله عنه - قال: يا رسولَ الله! هل نفعتَ أبا طالبٍ بشيءٍ، فإنه كان يحُوطُك ويغضبُ لك؟! قال: ((نعم، هو في ضَحضاحٍ من نار، لولا أنا لكان في الدَّرك الأسفَل من النار)).
وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته:
  • خُلُق النبي - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ لزوجاته، وخيرُ الناس خيرُهم لأهله. قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: ما غِرتُ على أحدٍ من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - ما غِرتُ على خديجة، وما رأيتُها، ولكن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُكثِرُ ذِكرَها، وربما ذبحَ الشاةَ ثم يقطعُها أعضاءً، ثم يبعثُها في صدائِق خديجة
  • فربما قلتُ له: كأنه لم يكُن في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة! فيقول: ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد))، ويقول: ((إني رُزِقتُ حُبَّها)).
  • وفي "الصحيحين": عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: استأذنَت هالةُ بن خُويلِد - أخت خديجة - على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فعرفَ استئذانَ خديجة، فارتاحَ لذلك. وفي روايةٍ: فارتاعَ لذلك، فقال: ((اللهم هالَة!)).
  • وفي يوم بدرٍ أُسِر العاصُ بن الربيع فيمن أُسِر، وبعثَ أهلُ مكة كلٌّ في فداءِ أسيرِه، فبعثَت زينبُ بنتُ الرسولِ بمالٍ وقلادةٍ تفدِي زوجَها، وكانت هذه القِلادةُ هديةَ خديجة لزينبَ يوم زواجها، فلما رآها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رقَّ رِقَّةً شديدةً، وتذكَّر أيامَه الأولى. فانبعَثَ الحَنينُ في فُؤادِه، وقال: ((إن رأيتُم أن تُطلِقوا لها أسيرَها، وتردُّوا عليها الذي لها، فافعلُوا!))، فقالوا: نعم، يا رسول الله.

الوفاء مع الأصهار والأرحام:
  • خُلُقُه - عليه الصلاة والسلام - الوفاءُ مع الأصهار والأرحام؛ أوصَى بأهل مِصر خيرًا، وقال - كما ثبتَ في "صحيح مسلم" عن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -: ((إنكم ستفتَحون مصر، فإذا فتحتُموها فأحسِنوا إلى أهلِها، فإن لهم ذمَّةً ورحِمًا)). أو قال: ((ذِمَّةً وصِهرًا)).
  • خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء؛ بعد قتالِه لهوازِن، أُسِر من أُسِر من نسائِهم، وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُسترضَعًا فيهم، فجاءَه وفدُ هوازِن، وقالوا: إنما في الأَسر يا رسول الله حواضِنُك وخالاتُك، فامنُن علينا. فأطلقَ لهم ستَّة آلاف صبيٍّ وامرأة.
  • وقدِمَت عليه الشيماء - أختُه من الرَّضاعة - فبسطَ لها رداءَه وأجلسَها معه، ثم أعطاها ما أعطاها.

وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
  • خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ لأصحابِه، نوَّه بفضلِهم، ونهَى عن سبِّهم، ورفعَ قدرَهم وأعلى شأنَهم، وخصَّ الصدِّيقَ من بينهم؛ إذ كان صاحبَه في الغار.
  • قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: كنتُ جالِسًا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبلَ أبو بكرٍ آخِذًا بطرف ثوبِه حتى أبدَى عن رُكبتِه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أما صاحبُكم فقد غامَرَ))، فسلَّم وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطَّاب شيءٌ فأسرعتُ إليه، ثم ندِمتُ، فسألتُه أن يغفِرَ لي فأبَى عليَّ، فأقبلتُ إليك. فقال: ((يغفِرُ الله لك يا أبا بكر، يغفِرُ الله لك يا أبا بكر، يغفِرُ الله لك يا أبا بكر (ثلاثًا)).

      ثم إن عُمر ندِمَ فأتى منزل أبي بكرٍ، فقال: أثَمَّ أبو بكر؟! فقالوا: لا، فأتَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فسلَّم، فجعلَ وجهُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعَّر، حتى أشفقَ أبو بكرٍ فجثَا على رُكبتَيه، فقال: يا رسولَ الله! واللهِ أنا كنتُ أظلَم، واللهِ أنا كنتُ أظلَم (مرتين).
     فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله بعثَني إليكم، فقلتُم: كذبتَ، وقال أبو بكرٍ: صدقَ، وواساني بنفسِه ومالِه، فهل أنتُم تارِكوا لي صاحبي؟! فهل أنتُم تارِكوا لي صاحبي؟! (مرتين)». قال أبو الدرداء: فما أُوذِيَ أبو بكرٍ بعدها.
  • وفي مرضِه - صلى الله عليه وسلم - الذي ماتَ فيه، قعدَ على المِنبَر وهو عاصِبٌ رأسَه بخِرقَة، فحمِد الله وأثنَى عليه، ثم قال: «إنه ليس من الناس أحدٌ أمنَّ عليَّ في نفسه ومالِه من أبي بكر بن أبي قُحافَة، ولو كنتُ مُتَّخِذًا من الناس خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكن خُلَّة الإسلام أفضَل، سُدُّوا عني كلَّ خوخَةٍ في هذا المسجِد غيرَ خوخَة أبي بكرٍ». والخَوخَةُ هي البابُ الصغيرُ ونحوُه.

      قال العلماء: "وفي هذا تنبيهٌ إلى خلافته من بعده، فأبقَى له مدخلاً إلى المسجِد؛ لأنه سيكونُ الخليفةَ والإمام".
وفاء النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصار:
  • ويوم حُنين قسمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الغنائِم، ولم يُعطِ الأنصارَ شيئًا، فكأنَّهم وجدوا في أنفسهم شيئًا، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أوَجَدتم في أنفسِكم يا معشرَ الأنصار في لُعاعَةٍ من الدنيا تألَّفتُ بها قومًا ليُسلِموا، ووكَلتُكم إلى إسلامكم؟! أفلا ترضَون يا معشر الأنصار أن يذهبَ الناسُ بالشاة والبَعير وترجِعون برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في رِحالكم؟! فوالذي نفسُ محمدٍ بيدِه؛ لولا الهِجرةُ لكنتُ امرأً من الأنصار، ولو سلكَ الناسُ شِعبًا وسلكَت الأنصارُ شِعبًا، لسلكتُ شِعبَ الأنصار، اللهم ارحَم الأنصار، وأبناءَ الأنصار، وأبناءَ أبناءِ الأنصار».

    فبكَى القوم حتى أخضَلُوا لِحاهم، وقالوا: "رضِينا برسولِ الله قسَمًا وحظًّا"؛ رواه أحمد، وأصلُه في "الصحيحين".

وفاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمّته:
  • كان خُلُقُه - صلى الله عليه وسلم - الوفاء، الوفاءُ أمَّته، بلَّغهم البلاغَ المُبين، وتركَهم على المحجَّة الواضِحة، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].
  • كان يترُك الكثيرَ من العمل خوفَ المشقَّة عليهم، «لولا أن أشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهم ..»، ولفعلتُ ولفعلتُ.
  • روى مسلمٌ عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قولَ الله - عز وجل - في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ..) الآية [إبراهيم: 36]، وقال عيسى - عليه السلام -: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118] ، فرفعَ النبي - صلى الله عليه وسلم - يدَيه وقال: «اللهم أمَّتي أمَّتي»، وبكَى.

      فقال الله - عز وجل -: ((يا جبريل! اذهَب إلى محمد، فقُل: إنا سنُرضِيكَ في أمَّتك ولا نسوؤُك.))

    فصلواتُ الله وسلامُه على رسولِه الكريم، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128].

من الوفاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
وإن من الوفاءِ لمن أخرجَنا الله به من الظُّلُمات إلى النور، وهدانا به وأرشدَنا: كثرةُ الصلاة والسلام على رسولِ الله.

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم وبارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميدٌ مجيد.
***********
*مع حذف وتغيير قليل، نقلا من خطبة الشيخ صالح آل طالب -حفظه الله- إمام وخطيب مسجد الحرام، ألقاها في المسجد الحرام.